حوار هادئ للحل المجدي في اليمن
فتح سعادة
كاتب أردني وخبير مياه
نيسان ـ نشر في 2015-07-09
عشت في اليمن حوالي أربع. ولي فيها اخوة ما زلت على تواصل مستمر معهم. وهذا ما أراه عن بلد لم يعد سعيدا.
اليمن على رأس قائمة البلاد العربية التي تعرضت لعهود من الإهمال، ولم يكن المعاصر منه هو فقط ما عانى منه اليمنيون.
ما يعاني منه هذا البلد لم تختبره باقي الدول العربية، منذ الحكم العثماني ثم الاحتلال الإنجليزي لجنوبه الى عهد ثورة سرقت وكانت استمرارا لعقود بل قرون من التخلف مر بها البلد.
اليمن ليس فقط خاصرة الخليج بل خاصرة الأمة كلها ومن المؤسف القول أن خوف العالم منه وموقعه الجغرافي أورثه كل ما آلت إليه أموره. بلد يحمل تاريخا عريقا لا ينكره أحدن متخم بالثروات، يفيض انتماء لأمته.. لكن .. في اليمن دائما هناك لكن.
ليس أسف بل غضب وحسرة هي ما نشعر بها ونحن نتابع أخباره اليوم وما آلت إليه شؤون اليمنيين.
في اليمن ملاحظات لا يمكن أن تتخطاها العين هي فيما أرى ركائز مصائبه:
ضعف سيطرة الدولة على أراضيها خارج صنعاء وفشل صيغة الوحدة مع الجنوب على أرض الواقع نتيجة ضياع حقوق الجنوبيين واستغلال ثروات أراضيهم من قبل المتنفذين في الشمال دون أن ينالوا نصيبهم. ضعف الانتماء للدولة والوطن في مقابل الولاء المطلق للعشيرة التي أصبحت الملاذ الآمن لمعظم اليمنيين. إهمال دول الخليج عموما لليمن عدا عن منح وعطايا ومساعدات لمن تكن تصل لمستحقيها وكانت تضيع غالبا في ثنايا الفساد. هنا ونتيجة للعوامل السابقة تسللت إيران بغطاء طائفي الى مناطق صعدة وملأت فراغا لم تكن الدولة تشغله أصلا وأوجدت جيبا متمردا سبب بشكل مباشر ما آل إليه الوضع الراهن في اليمن حيث أصبحت ترى إيران في اليمن ورقة تصفية حسابات مع جوارها الإقليمي وخدمة لمشروعها الفارسي.ما يدعو الى قلق العارفين بتفاصيل ما ينفعل في دواخل اليمنيين أنه إن بقيت معالجة المشكلة اليمنية خليجيا وعربيا بالطريقة التي نراها فان على اليمنيين أن ينتظروا سنوات من الأزمات وتفاقمها.
لا بل ما على اليمنيين انتظاره في حال استمرت المعالجات بما هي عليه اليوم أن تتعقد أزماتهم أكثر وتصبح في اليمن أمام ذات المشهد في العراق وسوريا أي بكل بساطة صراع قوى الإقليم على الأرض اليمنية دون أدنى اعتبار لقيمة اليمن والإنسان اليمني الذي أصبح يرى في التحالف العربي شيئا فشيئا عدوا له لا صديقا لتأثر اليمنيين المباشر بآثار القصف الجوي لأهداف غير دقيقة.
على الشقيقة الكبرى السعودية أن تدرك أن اليمن مقبل على كارثة إن لم يتداركه العرب، وان هذا يعني أنها مقبلة على خاصرة ضعيفة سيكون عليها الانشغال بها طويلا. فما الحل؟
لن يكون الحل في اليمن عسكريا لأن الولاءات على الأرض قضية معقدة جدا، فاليمني البسيط لا تهمه مآلات الأمور بقدر ما تهمه لحظته الراهنة، أما التهديد الذي يشعر به أخوتنا في الخليج من الولاء في اليمن لإيران فهو تهديد يسهل التعامل معه كثيرا بإدراك عقيدة اليمني وأسلوب المواطن اليمني في التفكير.
لن تكون اليمن لإيران حتى لو دان كل مقاتلي الحوثي بالولاء لإيران فالقصة مختلفة عن العراق وسوريا. ليس هناك جوار إقليمي لليمن مع إيران ونسبة الحوثيين وكل الولاءات لهم في اليمن لا تشكل 5% من مجموع الشعب اليمني.
الحل توافقي إنساني تنموي
إذاً على دول الخليج أن تغوص في أسباب المشكلة اليمنية بشكل أعمق، المشكلة اليمنية هي في ضياع سيادة الدولة اليمنية على أراضيها منذ زمن طويل نتيجة الانتماء للعشيرة أولا قبل الدولة وعدم قدرة الدولة اليمنية على توفير حاجات مواطنيها فانتقل الولاء للعشيرة أو لمن يدفع لتوفير أسباب الحياة الكريمة ومن هنا كان مدخل إيران مع الحوثيين وقادتهم ابتداءا.
من هنا نقول أن الحل في اليمن توافقي إنساني تنموي وليس عسكريا. حل مشكلة انتماء المواطن اليمني لدولته لن يكون بين ليلة وضحاها فالمواطن اليمني لن يتخلى عن ولائه المطلق لعشيرته قبل أن يرى دولة قوية على أرضه توفر له الملاذ الآمن والعيش الكريم.
إن استثمار الأخوة في الخليج في تنمية اليمن بدل استخدام الآلة العسكرية سيكون مجديا وفاعلا جدا حتى مع الحوثيين أنفسهم فمعظم أتباع الحوثي ما ساقهم الى ما سيقوا اليه سوى تخلي الدولة اليمنية عنهم ابتداء.
أما خطوات الحل التي نقترحها فهي الآتي:
تحييد هادئ وحكيم الرئيس المخلوع على عبد الله صالح نظرا لقيمة الحاضنة الاجتماعية الضخمة التي يمتلكها. إعلان خطاب صارم ن أن أنه لا حيدة عن تطبيق كامل مخرجات الحوار الوطني اليمني الذي وقعه الحوثيون أنفسهم ودون أية حاجة لمفاوضات سوى على شخصية رئيس توافقية تقود المرحلة الانتقالية أو مجلس رئاسي برئيس توافقي إن لزم الأمر. إعلان خطة جادة لإعادة إعمار اليمن تبدأ مفاعيلها على الأرض فورا لا تستثني مناطق الحوثيين ويخصص لها ماكينة إعلامية فاعلة تخاطب وعي اليمنيين وتحثهم على الانخراط في تنمية وطنهم بدل حمل السلاح. وهو فعل له تأثيره البالغ حين يرى اليمنيون خطوات إعادة الإعمار على الأرض وخصوم الأمس أصدقاء اليوم والغد. فاليمنيون إجمالا ساخطون من إهمال الدولة لتنمية مناطقهم وسيرون فيمن يوفر لهم هذا الخيار الملاذ والمخلص والصديق .وأخيرا فأنا واثق أنه حتى الحوثيون أنفسهم باستثناء قادتهم والمنتفعين مما يحصل منهم لن يكونوا إلا عربا أقحاحا ولن يكون انتماؤهم إلا لعروبتهم وإن غدا لناظره قريب.